الفرق بين المنهجية والمنهج





1

مقدمة : يدرس مقياس مناهج البحث العلمي في كل الجامعات عبر العالم وفي جميع التخصصات العلمية والتقنية، وتخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية. وتهدف منهجية البحث العلمي إلى جعل الطالب الجامعي منهجيا في تفكيره وطروحاته وبحوثه متخلصا من الجمود الفكري ومتوجها نحو الإبداع والتجديد والنقد والتحليل الممنهج والمنظم .إن تجنب إصدار أية أحكام تعسفية من طرف الباحث أو وقوعه في السذاجة العلمية يرتكز على مدى تسلحه بالمنهجية العلمية وأساليب البحث وتقنياته .
يقصد بالمنهج الطريق أو المسلك ( في مجال اللغة ) .ويعرف عبد الرحمان بدوي المنهج بأنه " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة ".
إن المنهجية فرع من فروع الإيبستمولوجيا ( علم المعرفة ) تختص بدراسة المناهج أو الطرق التي تسمح بالوصول إلى معرفة علمية للأشياء و الظواهر أمّا المنهج فهو مجمل الإجراءات و العمليات الذهنية التي يقوم بها الباحث لإظهار حقيقة الأشياء أو الظواهر التي يدرسها و يمكن أيضا أن نعتبر بأنّ المنهج هو موقف أمام الموضوع و نتحدث في هذه الحالة مثلا على المنهج التجريبي و المنهج الطبي ، و إنّ كلمة المنهج تعني أيضا اللّجوء إلى أنماط تحليلية خاصة بفروع علمية مميزة .

 هناك من يجعل مفهوم المنهج مرادف لمفهوم المنهجية فهل المنهج هو المنهجية ؟
المنهج هو ذلك الطريق أو الأسلوب الذي يختاره الباحث من بين عدة  طرق وأساليب علمية ( المناهج ) بما يتناسب مع موضوع بحثه ،وذلك لمعالجة إشكاليته وفق خطوات بحث محددة من أجل الوصول إلى حلول لها أو إلى بعض النتائج بشأنـها، ولذلك يمكن القول  أن المنهجية أشمل من علم المناهج  الذي هو جزء أساسي منها،فهو يظهر أساسا في كيفية معالجة الموضوع على مستوى المتن و خطة البحث وهما من أجزاء البحث ، أما المنهجية فهي تهتم بكل أجزاء وأقسام البحث العلمي من خلال بيان عناصرها وشروطها و القواعد التي تحكمها، فضلا عن المسائل المتعلقة بالشكل مثل : كيفية الوثقنة في الهامش ، كيفية توثيق قائمة المراجع ، علامات الوقف ،...
إن معنى منهجية البحث العلمي كعملية أو نشاط فكري (الإستقراء و تفسير الواقع) يختلف عن مسألة المناهج المنطقية. إن مضمون المنهجية كأسلوب تنظيم و تصوير شامل لأجزاء البحث العلمي و الإلتزام بتنفيذها مرحلة تلو الأخرى .
إنّ المنهجية بمفهومها الواسع  هي فلسفة البحث العلمي والفكر المتبع في الأبحاث العلمية ، و الغاية من تعريف الطالب بالمنهجية كأسلوب عام تهدف إلى تجنبه من الوقوع في الأخطاء " التي يقع فيها عادة " الباحث المبتدىء.
إنّ عملية إنجاز أو إعداد بحث علمي تشبه إلى حدّ كبير عملية البحث أو التنقيب عن النفط
إن نجاح برنامج العثور على النفط ، يتوقف على إتباع خطة أو مسعى معين ( دراسة نوعية الحقول ، تحديد تقنيات البحث ثمّ يأتي في الأخير التنقيب )
و إنّ هذه العملية تفترض مساهمة كفاءات شتى ( مهندسون في علم الأرض ، مهندسون في تقنيات ( الحفر ، وتقنيين منفذين للخطة أو العمل
و لا يحق لنا أن ننتظر من رئيس المشروع أن يكون متمكنا من كل التقنيات المستعملة و إنما دوره الحقيقي يتوقف على مدى قدرته في تصور المشروع في التنقيب عن النفط .
 فعلى الباحث أن يكون له تصور واضح لما يبحث فيه ( تحديد موضوع البحث ، وضع خطة منهجية عمل و هذه الأخيرة لا تتمثل في التقنيات الممكن إتباعها بل ألية ذهنية لإستظهار و لإستقراء الواقع أو الموضوع كتصور شامل لأبعاد البحث
و لهذا فإنّ الباحث لما يتلقى صعوبات كبيرة التي تكاد أن تجهض مشروع بحثه فالسبب لا يعود لعدم نجاعة التقنيات المستعملة بل لعدم تمكينه من تحديد و إتباع منهجية تشمل كل أجزاء البحث.



2
المنهج و المنهجية
تعريف  الاصطلاحي  للمنهج  :
     تعددت تعريفات المنهج في أدبيات البحث العلمي واختلفت وجهات نظر الباحثين نحوها.  و  قد  بلغ  عدد  تعريفات البحث العلمي إلى أكثر من مائة تعريف من أبرزها  تعريف [ هيلوي . ت. ]  الذي يرى أن البحث وسيلة للدراسة  يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة ، وذلك  عن طريق  التقصي الشامل  والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة .
    ولعل  أكثر التعريفات شمولا وبساطة هو الذي يرى أن المنهج :هو الطريقة التي تعين الباحث على أن يلتزم باتباع مجموعة من القواعد العامة  التي تهيمن على سير العقل سيرا ً مقصودا ً في البحث العلمي ، ويسترشد بها الباحث في سبيل الوصول إلى الحلول الملائمة لمشكلة البحث .
     يعرف  الدكتور جواد طاهر  منهج  البحث  الأدبي :  الطريقة  التي يسير عليها دارس  ليصل إلى حقيقة في  موضوع  من  موضوعات الأدب منذ العزم على  الدراسة و تحديد الموضوع حتى تقديمه للمشرفين أو النقاد أو القراء [1]
     ويعرفه الدكتور محمد الصباغ  بأنه : ( فن التنظيم  الصحيح لسلسلة من الأفكار، إمّا من أجل  الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين وتعليمهم إيّاها حين نكون بها عارفين[2]
تعريف علم المنهج  Méthodologie  :
     يعرف  محمد البدوي  المنهجية بأنه  علم يعتني  بالبحث  في  أيسر  الطرق  للوصول إلى المعلومة مع توقير الجهد و  الوقت ,و تفيد كذلك معنى ترتيب المادة المعرفية و تبويبها وفق أحكام مضبوطة  لا  يختلف  عليها  أهل  الذكر .[3]
     المنهجية  هي الطريق  التي يتبعها الباحث من أجل الوصول الى الهدف المنشود.  هي مجموع الأدوات التي يستخدمها باحت ما في تقديم البراهين والأدلة والحجج للتأكد من صحة أو عدم صحة فرضية أو نظرية معينة. لذلك  فإن المنهجية هي مجموعة الإجراءات والآليات المتعارف عليها بين العلماء والتي يمكن استخدامها للملاحظة والكشف والتحقيق في اكتساب المعرفة والوصول للحقائق. والغرض الاساسي من المنهجية  هو محاولة فهم الأمور والعلاقات في المحيط الذى يعيش فيه الانسان من أجل الوصول الى النظريات والقوانين التي تحكم الكون وتُسيره.[4]
     هو  العلم الذي يدرس المناهج البحثية المستخدمة في كل فرع من فروع العلوم المختلفة. لذلك يعتبر فرعا من فروع الأبستمولوجيا .
و يمكن تعريف علم المنهج على انه   :
تحليل مبادئ وطرق وقواعد المطبقة من قبل تخصص معين في البحث والتحري عن النظريات.
أو تطور المنهجية المطبقة في تخصص ما.
أو الإجرائيات العملية أو مجموعة الإجرائيات..
و يمكن لعلم المنهج أن يتضمن :
دراسة مجموعة نظريات، مصطلحات أو أفكار.
دراسة مقارنة للطرق المختلفة والمقاربات البحثية.
نقد للطرق المستخدمة والمناهج[5]
ترجع  كلمة Méthodologie  في  بعدها المعرفي  إلى  الفيلسوف  الألماني  كانط .   فقد  كانط  قسم  المنطق  إلى  قسمين :
الأول :   مذهب  المبادئ  و  موضوع  شروط المعرفة الصحيحة .
الثاني  :  علم المناهج الذي  يحدد  الشكل العام لكل  علم و الطريقة التي  بها يكون .
و  إلى  جانب علم  المناهج  العام  ,  توجد  علوم  مناهج  جزئية  تختلف  باختلاف مواضعها باختلاف  العلوم  .  و  مهمة  كل  منها  تحديد  العمليات  الواجب  اتباعها  في  دراسة  ذلك  العلم  .[6]
اصطدم علم  المناهج  العام  بعلوم  المناهج  الجزئية  ,  لأن  تحديد  الطرق  التي  تنتهجها  العلوم  المختلفة  لا  يمكن  إلا  بالعودة  للسبل  التي  يسير  عليها  العلماء  فعليا  في  كل  علم  .  لذلك  قامت  في  أواخر  القرن  التاسع  عشر مشكلة  معرفية  بين  المجال  علم  منهج البحث  العام  و  مجال  علوم  مناهج  البحث  الجزئية   .
حسم  الفيلسوف  كلود برنار  المشكلة  و  دهب  إلى  أن  المناهج  لا  يمكن أن  تدرس  نظريا  كقواعد عامة  تفرض  على  العالم  أن  يسير  وفقا  لها  .  و  إنما  تتكون  المناهج  في  داخل المعمل و ابان  الاتصال  المباشر بالوقائع و التجارب العملية .  [7]
فالعلم  ,  في  نظر  برنار ,  يرتكز  على  :
العلم لا يحصل إلا في المعمل .
العلم يجب إلا يسبق  بمذهب  فلسفي يسير على  خطى  تعاليمه .
المناهج  تختلف باختلاف العلوم ,  و ليس هناك منهج واحد للبحث  في  العلوم  .
رأى  كلود  برنار  صحيح  في  مضمونه  العام  فليس  للفيلسوف أو  صاحب  المنطق  أن  يلزم  أي عالم  بقواعد  عامة  .  غير  أن  تفرع  العلوم  و  تشعب  مناهجها  تستدعي  عادة  التنسيق  بين  هذه  الفروع  لاستخلاص   ما  هو  انساني  مشترك  بينها  جميعا ,  ليستفيد  كل  علم  من  مناهج  العلوم  الأخرى  ,  فيطبق  ما  يراه  مثمرا  له  ,  مع  مراعاة  الحقل  العلمي  الذي  ينتمى  إليه .

الهوامش :
[1]- الطاهر جواد  : منهج  البحث الأدبي . العراق . بغداد . مطبعة العاني . ط (1970) . ص : 21 . 22 .
[2] – أنظر بحث  : سعيد بن علي بن ثابت : مناهج البحث في أقسام الإعلام بالمملكة العربية السعودية .
[3] – بدوي محمد  :   المنهجية في البحوث و الدراسات الأدبية . تونس . مدينة سوسة . دار الطباعة للمعارف و النشر . ص : 9 .
[4] – أنظر  الموقع  التالي :http://www.libyaalmostakbal.net/archive/author/547   مقال : د . بروين محمد  :  من مفهوم المنهجية العلمية .
[5] -  أنظر : http://ar.wikipedia.org/wiki  . مصطلح علم المنهجية .
[6] -  بدوي  عبد  الرحمن  :  المرجع  السابق . ص : 7
[7] -  المرجع  السابق : ص : 7 .